مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
​ملحق رقم 3 توطئة للطبعة الرابعة من كتاب التعاليم السورية القومية الاجتماعية
 
 
 
 

منذ أن انهار، بعامل الفتح الرومي (الروماني) النظام السوري السياسي والاجتماعي والـحربي، الذي تطورت الـحياة السورية نحوه منذ القدم وتـجلى في الدولة السورية السلوقية التي صارت إمبراطورية عظيمة، بعد توحدات سياسية سابقة أقلّ متانـة وأسرع عطباً، تعرّض مصير سورية لتقلبات كثيرة في أجيال عديدة كان الفاعل الأقوى فيها دائماً إرادة الفاتح الجديد وسياسته، فجزئت البلاد ثم وحدت ثم جزئت حتى ضاعت حقيقتها وخرجت دورة حياتها عن محورها وتراكمت على شخصيتهـا طبقات التاريخ السياسي كما تراكمت على مخلفاتها طبقات الأرض، وصار الباحث عن حقيقتها يحتاج إلى تنقيب دقيق واسع وإلى تحرٍّ للتركيب الإتني والنفسـي والوضـع الـجغرافي والتسلسل التاريخي وإلى تـحرير التآويل المتعددة من الأغـلاط التي بعدت عن الـحقيقة وغـرضها. وهذا العمل، لعمري، أشبه شيء بإنشاء الأمة السورية إنشاءً جديداً لأنه يعني بعثها من مدافن التاريخ وتأسيس حقيقتها تأسيساً واضحاً كاملاً لا يعود يشذّ عنها وعيها ولا يقوم على غيرها وجدانها. وهذه مهمـة جبارة، فإذا وافق هذا الغرض إنشاء نهضة تعبّر عن حقيقة الأمة وشخصيتها وتغيّر مجرى تاريخها ومصيرها ازدادت المهمة ضخامة ومشقة وخطورة.


بوعي كامل للصعوبات العظيمة الملازمة لطبيعة العمل أخذت على عاتقي هذه الـمهمة العظمى، وحالما وضحت لي الحقيقة في خطوطها الكبرى العريضة وطدت عزيمتي على إنشـاء النهضة السوريـة القوميـة الاجتماعيـة التي جعلت غايتها إحياء حقيقة الأمـة السورية وشق طريق وجودها وارتقائها وإقامة نظام اجتماعي جديد فيها. فوضعت هذه المبادىء التي عَيّنت فيها حقيقة الأمة السورية وحقيقة الوطن السوري وحقيقة النفسية السورية، وباشرت الدعوة إليها وتعليمها في أحاديث وخطب ومحاضرات لم يُدوّن إلا النزر اليسير منها. وفي الوقت عينه كنت أتابع التنقيب والتمحيص والتحرّي لإكمال الحقيقة. ولكن عملي، بطبيعته المعقدة، لم يستمر في جو هادىء مطمئن، فحالاً نشأت حاجات الحركة الإدارية والتوجيهية في مواضيع عديدة متشعبة، وحالاً تعرّض العمل لأخطار الجاسوسية الأجنبية. وبينما أنا أعدُّ، إلى جانب العمل التأسيسي، الاجتماعي، السياسي، المواد لإعادة تركيب كيان الأمة وتقرير جميع تفاصيلها في كتاب خاص، فوجئت بالاعتقالات الأولى التي كشفت أمر الحركة الناشئة وأوجدتها، في لحظة واحدة، تجاه الإرادات الأجنبية والاعتقادات الداخلية التي اجتمعت على محاربتها قبل أن تستكمل استعدادها. فتعرضت الحركة والقضية لأزمة كان يجب التغلب عليها بسرعة. هذه الحاجة الملحّة جعلتني أهتم، في السجن، بإكمال الكتاب الأول من نشوء الأمم، الذي كنت بدأته قبل الاعتقال.

والسجن ليس المكان الصالح لمتابعة التحقيقات الإتنية والجغرافية والتاريخية. إنه لا يُمكِّن من زيارة المكتبات العلمية والوقوف على المكتشفات الأخيرة واكتشاف حقائق ضائعة. فاضطررت للاقتصار على ما كنت بلغته قبل السجن فاستعنت به لإنجاز الكتاب الأول من نشوء الأمم في مدة نحو شهرين ونصف. وقد دفعت المخطوطة، كما ذكرت في مقدمة الكتاب، إلى الطبع من غير إعادة نظر وتنقيح، إذ لم يتسنّ لي ذلك. فبقيت بعض النقاط، من جراء ذلك، غير كاملة التحقيق، خصوصاً ما تعلّق بالدولـة السورية البرية البابلية والأشورية والـحثية، وبالوضع الأرضي في تجويف الهلال السوري الخصيب وأسباب عمق التجويف في الأزمنة الانحطاطية، الأمر الذي تداركته في ما كنت أعددته للكتاب الثاني من نشوء الأمم المختص بنشوء الأمة السورية، ولكن سرقت الملاحظات الأولى من دار القضاء من جراء الاعتقال الثاني، فأعود الآن إلى الاهتمام بإعداده.


ولما ازداد الإلحاح على وجوب وضع التعاليم السورية القومية الاجتماعية في نص يحفظ حقيقتها وجوهرها وضعت في أثناء الاعتقال الثاني، الذي جرى ولم يمضِ على انتهاء الاعتقال الأول سوى نحو شهر ونصف، شرح المبادىء وأرسلته من السجن ليطبع ولتعتمده الحركة في ردّ تهجمات المعتقدات الدينية الاجتماعية في القومية، ولوضع حقيقة الأمة والقضية القومية الاجتماعية في نص واضح يحفظ بقاءها واستمرارها. فكان الشرح مستعجلاً وكانت الظروف التي وضع فيها عنيفة وضغط العراك عنيفاً. ومع أنّ الشرح في نصه الأول، قد أدى الغرض فإنه تعرّض للنقص عينه الذي تعرّض له الكتاب الأول من نشوء الأمم، إذ لم أكن قد بلغت التحقيقات الأخيرة للكتاب الثاني.

 
ولـمّا كانت القضية قد أصبحت تقتضي اكتمال كليتها بسرعة كي لا تبقى أية نـاحية من نواحيها ناقصة أو غير واضحة كل الوضوح، إنتهزت سانحة إعادة طبع التعاليم (المبادىء والشرح) للمرة الرابعة لأنقّحها وأكملها على أساس الطبعة الثالثة المنقحة في الأرجنتين. وقد اشتمل التنقيح على:
 
1 - إكمال توضيح الحدود الشرقية الشمالية للوطن السوري، التي كانت متروكة مفتوحة في متطرفها الشرقي.
2 - إكمال توضيح الحدود الشمالية الغربية التي تشمل جزيرة قبرص التي هي جزء من الأرض السورية.
3 - تصحيح النظرة إلى تجويف الهلال السوري الخصيب وأسباب عمقه.
 
4 - تعديل النظر إلى الحروب السورية الداخلية بين الدول الجزئية التي رمت كل دولة منها إلى توحيد البلاد تحت سيادتها كالدولة البابلية الأولى والثانية، والدولة الأشورية خاصة، والدولة الحثية.
 
كل مقابلة بين النص المنقّح والنص الأول تُري أنّ القضية القومية الاجتماعية وتعـاليمها بقيت هي هي، وأنّ التنقيح أكمل الـحقيقة وخلّصها من بعض الشوائب الجزئية التي لم تسلم منها في الطبعتين الأوليين بسبب العجلة وضغط الظروف، من غير أي تبديل لها أو لأصولها.
 
ولا بد من القول إنّ هذا التنقيح كان قد جرى من قبل في أحاديث وخطب تعليمية بعضها دوّن وبعضها لم يدوّن، خصوصاً ما تعلّق بالمنطقة الشمالية الشرقية من سورية، منطقة ما بين النهرين (العراق)، التي كانت داخلة من الأول ضمن تحديد الوطن السوري، ولكن حدودها وتخومها لم تكن معيّنة كلها لأن بعضها كان لا يزال تحت التحقيق التاريخي والإتني والجغرافي. ولي في هذا الصدد، تصريح واضح يعود إلى سنة 1936، إذ قلت، جواباً على سؤال في محل العراق في قضيتنا: «إنّ العراق، أو ما بين النهرين، هو جزء متمم للأمة السورية والوطن السوري، وكان يشكّل جزءاً من الدولة السورية الموحدة في العهد السلوقي ويجب أن يعود إلى الوحدة القومية التي تشمله، حتى ولو اقتضى الأمر تعديل إسم سورية وجعله سوراقية.»
 
إنّ تعبير «الالتقاء بدجلة» في الـمبدأ الأساسي الخامس الذي ينص على حدود الوطن السوري، الذي أبدل في الطبعة الثالثة بتعبير «ضفاف دجلة» شمل، في الصحيح، الـمقصود بـمنطقة ما بين النهرين (العراق)، من غير تعيين دقيق لحدود المنطقة. وقد رأيت أنّ تركها غير محددة نهائياً يفسح مجالاً للشك ولذلك قررت إكمال تحديد حدود وطننا القومي في هذه البقعة، إكمالاً لجميع تفاصيل القضية السورية القومية الاجتماعية. وقد رأيت أن أفعل مثل ذلك في تفاصيل الحدود الغربية وأن أصرّح بأن جزيرة قبرص هي جزء من الوطن السوري في الماء، حتى لا يبقى أي شك في ما نعنيه «بالبحر السوري في الغرب.»
 
لذلك يجب القول بصراحة لا تقبل الشك إنّ التنقيح تناول الضبط فقط في الحدود والتفاصيل وتثبيت الأساس وزيادة إيضاحه. وإنّ من المؤسف أن لا تكون الظروف قد سمحت لي بإكمال تفاصيل القضية السورية القومية الاجتماعية في الشرح الأول أو قبل اغترابي فمرّت مدة طويلة والناس يتداولون الشرح غير المضبوط الذي أنشىء بسرعة شديدة في السجن.
 
إنّ هـذه التعاليـم المضبوطـة في هـذه الطبعـة الرابعـة هي الكاملـة والتي يجـب أن تعتمـد.
المقر في 18 سبتمبر/أيلول 1947
                الزعيــم
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro